لعنة النفس

لو وريتك دايرة جوا رسمة .. هتقول ديه مجرد “دايرة” .. مهما كبرتهالك ومهما صغرتهالك .. لسة دايرة .. لحد ما اجيبلك دايرة كمان .. جمبها .. يمكن اصغر شوية عن الدايرة الاولى .. ساعتها هتقول ديه مجرد دايرة “كبيرة” .. شوية وغيرتلك لون الدايرة التانية وخلتها خضرا مثلا .. والدايرة الاولى لونها ابيض زي ماهي .. هتوصفها وتقول ديه مجرد دايرة “كبيرة” و “بيضا” ، وكل ما غيرلك من تفاصيل الدايرة التانية هتبدأ توصف الدايرة الاولى باوصاف جديدة ، انت مكنتش واخد بالك منها لانك مكنتش شايف غيرها ف البداية ..

كتير بيبقى فيه تفاصيل قدامنا احنا مش شايفنها ، بنشوفها بس لما بنتعرض لنماذج تانية لتجاربنا .. نماذج فيها اختلافات بتخلينا نعيد نظر في تجربتنا .. اما اننا نسيبها او اننا نتمسك بيها اكتر ..

المثل بيقول “اللي يشوف بلوة غيره تهون عليه بلوته” وبلوة باللهجة المصرية تعني “البلاء” باللغة العربية .

فيه ناس بتعيش طول عمرها شايفة دايرة واحدة بس ، ومبتشوفش غيرها .. شايفاها اوي لدرجة ان الدايرة ديه بقت حياتها واصبحت  بتمثل كل حاجة بالنسبة لها .. مش بس كده ، ديه بتعيش جواها وبترفض اي دايرة تانية لمجرد ان دايرتها بقت تمثل حياة بالنسبة لها ، بتمثل الصح ليها .

الدايرة ديه ممكن تبقى مشكلة ، ممكن تبقى سلوك ما ، ممكن تبقى مراتك او جوزك ، ممكن تبقى خطيبتك او خطيبك، ممكن تبقى نظام حكومي كامل .. دايرة بنعيش فيها وبنرتبط بيها جدا ونادرا ماتلاقي حد بيثور لانه غالبا بيبقى خايف ..

ماهو عنده حق !!

تخيل ان الامان بالنسبة لك هو “فلان” وفجأة جيه حد قالك ده فلان ده “مش كويس” .. وهو منبهر وكإنه بيقولك مفجأة .. بس بيتصدم لما يلاقيك لسة مرتبط بيه ، بيتصدم علشان هو متخيل انك هتبعد عنه وتكرهه لمجرد ان “دايرته” وحشة او مش سليمة .. بس مكنش عارف ان الدايرة بتاعتك هيا جزء من دايرته . ومن دواير تانية كتير ..

فحياة كل شخص فينا عبارة عن مجموعة من دواير ، دواير جوا دواير ، جوا دواير اصغر ، جواها دواير اصغر بتتضيق علينا ، وجواها دواير اصغر واصغر وتفضل تصغر لحد ماتلاقي نقطة واحدة جوا الدواير كلها .. النقطة ديه هو انت والدواير ديه هيا حياتك لو اخترت انك تفصل دايرة فهتكون صعب جدا انك تفصل دايرة بعيدة عنك وده لانك لو كسرت دايرة بعيدة عنك فانت هتكسر كل الدواير اللي بينك وبينها ، فلو افترضنا انك اخترت انك تتخلص من دايرة “الجواز” مثلا او انك تفهم ان الدايرة ديه مش سليمة لان الشخص صاحب الدايرة ديه – واللي بتربط دايرتك بداريته قطر واحد وابعاد مختلفة – مش مناسب ليك لاي سبب ، فده معناه انك لازم تكسر دايرة الاولاد “وده صعب جدا بالنسبة لبعض الناس” او انك تكسر دايرة الفلوس “مين هيصرف عليكي” وهكذا ، فبنضطر في بعض الاوقات اننا نعييش في نفس الدواير لمجرد اننا خايفين من المجهول ، الغير معروف ، دواير جوا دواير جوا دواير ..

الفرق بين الانسان العادي والانسان الاله “مش قصدي ربنا” ان الاله قادر على انه يخلق الدواير ديه ويقعد على عرشه في دايرة تانية اكبر من كل الدواير ، فبالتالي يقدر يتحكم فيها زي ماهو عايز ويشيل ويحط زي مايحب علشان الحياة تبقى افضل ليه وللناس اللي حواليه .. الانسان العادي هو الي بيخلق الدواير حواليه ويزنق نفسه في اصغر دايرة فيهم ويقول ده انا وبيصبح عبد للدواير ديه اللي بتتحكم فيه .

“متخلقش حاجة انت متقدرش تقتلها .. ومتقلتش حاجة انت متقدرش تخلقها”

Don’t Create what you can’t kill .. don’t kill what you can’t create

فيه ناس ساعات بتخلق دواير وبتعيش فيها ومبتعرفش بعد كده انها تتخلص منها زي انك تثق في حد وتاخد منه قيمك كلها ومبادئك وتندمج فيه لدرجة انك متقدرش تخرج نفسك من ورطته وفيه ناس تانية بتكسر دواير تانية لمجرد انهم مش هيقدروا يخلقوها .. زي انك تمتنع عن الشغل في اوراسكوم وتعيش عمرك كله متخيل انك رفضت بمزاجك “دايرة عايش فيها” ، والحقيقة انك ان الدايرة ديه مش ليك لانك اساسا معندكش الامكانيات الي بتؤهلك انك تشتغل في الشركة ديه فممكن تترفض مرة فتقول “مفيش شغل في البلد” فبالتالي انت بتكسر دايرة مش دايرتك ومش موجودة وده غلط لانك هتعيش عمرك موهوم كل مرة تشتم فيها اوراسكوم وتقول “رفضوني علشان معنديش واسطة” او “رفضوني علشان انا مبحبش التسلق الاجتماعي او اني مبحبش النفاق او علشان صريح” هتقعد طول عمرك بتحاول تقتل حاجة مش موجودة بس انت هتقنع نفسك بوجودها .. هيا مش هتتاثر وانت لوحدك اللي هتعيش موهوم ..

بعض الناس ممكن تقول “مش مستريح مش حاسس اني انا على طبيعتي لما بعمل كذا ” .. بعض الناس ممكن مش بس تعيش في الدايرة اللي هيا خلقتها لنفسها ، فيه ناس ممكن تعبد الدواير ديه ، زي اللي صنع اللات والعزا وسجد يعبدهم . او دافنشي او ديكابريو مش متاكد لما نحت تمثال ومن كتر ما التمثال ده كان قريب من الحقيقة بدأ يكسر فيه ويقوله “انطق بقى انطق بقى” .

بعض الناس بترسم لنفسها حدود مبتحبش تعديها لانها الدواير اللي هيا عايشة فيها ، فبتلعن نفسها للابد بوصفها لنفسها لمجموعة اوصاف ملهاش علاقة بيها غير انها حصلت مرة او مرتين .. يعني ممكن واحد يقولك “انا واحد جبان” لمجرد انه لمدة 30 مرة مثلا معرفش يتصرف لما حد حاول يتخانق معاه.. لعن نفسه لما خلق لنفسه دايرة جديدة “انا جبان” وهيفضل طول عمره عايش فيها ، ومش بس كده ، الدايرة ديه هيخرج منها دواير تانية كتير منها “انا مش هقدر ارتبط” ، “انا مش هعرف اشتغل” ، “انا مش هعرف … ” وهكذا ..

فخليني اسالك سؤال ، لو انت من الناس ديه ، انت بتدخل الحمام كام مرة في اليوم ؟ تلات مرات ؟ مرتين ؟ وعمرك اد ايه ! 30 سنة ! 40 سنة !! يعني انت دخلت الحمام في حياتك كلها لو عندك 30 سنة ، فانت دخلت 22 الف مرة !!

فهل ده ممكن يخليك تقول “انا حمام متحرك” ؟! عمرك ماهتقول كده ، ومع ذلك قصاد ال 22 الف مرة دخلت فيها الحمام فيه 30 مرة او حتى 100 مرة انت معرفتش تتصرف ففضلت انك تقول “انا جبان” وتعيش طول عمرك جبان ، ومفكرتش انك تقول “انا حمام متحرك” !! مع ان منطقيا الجملة التانية اصح .

لعنة النفس انك تقول “انا كذا” .. وتوصف نفسك بأي شىء ، “انا مبحبش المسقعة” ، “انا مبحبش اشتغل في الحر” ، “انا مبحبش اخد اوامر” .. وهكذا وبتفضل توصف نفسك وتحمل عقلك بمجموعة دواير جواها مجموعة تانية من الدواير الاصغر والاصغر والاصغر وتحط نسخة منك في نص الدواير ديه .. فبشكل غير واعي انت بتلعن نفسك وبتفرض على نفسك دايرة جديدة بتحددلك سلوكك هيكون عامل ازاي في المستقبل ..

“اذا هبت امرا فقع فيه” .. سيدنا علي بن ابي طالب

وده الحل .. دايما بيكون الحل .. انك تكسر الدواير ، انك تبص على نفسك من بعيد وتشوف كل ال Bullshit اللي انت فيه ، وفجأة تقرر انك تتخلص من دايرة “الرهاب الاجتماعي” فبتروح تختبر نفسك ، فتكتشف انك بتكسر مع الدايرة ديه ، دايرة “انا مبحبش اتفسح” ، “انا مبحبش اخرج مع ناس” ، “انا مبحبش اكلم حد” ، “انا جبان” ، الخ .. دواير كتير جدا هتتكسر ، في المقابل هتخلق دواير تانية احسن ، وافضل اكسر واكسر واكسر لحد ماتنقذ انسان هو انت ، عاش طول عمره مخنوق ومزنوق بدواير هو الوحيد اللي خلقها.

الموضوع صعب جدا ومستحيل .. “دايرة” .. انا معرفش اعمل كده .. “دايرة” .. بابا مش هيوافق .. ” دايرة “.. انا خايف من المستقبل .. “دايرة” .. انا اتعاملت مع ناس كتير جدا ، وعارف انت تقدر تعمل ايه ، مهما كانت المشاكل اللي ممكن تقع فيها اعرف انها دواير انت خلقتها واخترت انها تتحكم فيك .. اخرج وانفد بجلدك ، العمر بيخلص منك وانت لسة جوا الدايرة .

نهاد رجب

  • اول مدرب عربي للتنويم الضمني

  • مدرب ومعالج بالتنويم الايحائي

  • مؤلف كتاب تعلم كيف تحدث التنويم الايحائي والكتاب الاليكتروني “التنويم الضمني”

شارك المحتوى علي المنصات المختلفة

One Reply to “لعنة النفس”

اترك تعليقاً